سلطان العامر

أخي وليد،
قيل قديما أن المعاصرة حجاب. هذا صحيح، إلا أنك أنت من أولئك النادرين الذين يخترقون الحُجُب.
أخي وليد، 

نحن- يا من نتبجح بتسمية أنفسنا بالنشطاء أو الإصلاحيين- في هذه البلاد لا نعترف بجبننا، بل نحيله عادة إلى عجز. عندما نتسامر فيما بيننا، وبعد أن نؤكد لبعضنا صحة أفكارنا وعدالتها وحقيقتها، نسارع على الفور على التأكيد أيضا- بنفس الثقة- على عجزنا عن فعل شيء. وهنا، عند هذه اللحظة تحديدا، تبرز أنت كدحض، كتكذيب لهذا الادعاء. تبرز أنت كاشفا أن ما ندعوه عجزا ليس شيئا آخرا إلا جبنا. 
أخي وليد،

إني أحاول بشكل مستمر-وأنا أكتب لك هذه الكلمات- أن أقنع نفسي بأن ما أقوم به هنا هو عمل مجزئ. أنني بهذه الرسالة- بكلفة علنيتها- قد قمت بواجبي المطلوب للتضامن معك. لكنني في كل مرة أعرف أني أخادع نفسي. بل أكثر من ذلك، أن فكرة لعينة تتسلل مع كل سطر يكتب ويمحى إلى أعماق أعماقي تقول لي: أنت لا تناصره، بل تصعد على أزمته، أنت تتسلق على كتفيه.

أحاول ردّ هذه الفكرة، وأقدم لها مئات الحجج لأكشف لها أنني بكتابتي لهذه الرسالة، لا أقوم بأمر فاضل فحسب، بل أؤدي واجبا أيضا. إلا أن هذه الحجج تتحطم وتتلاشى على ضفاف ابتسامة ساخرة ترتسم على شفاه الشيطان الذي لا يكف عن ترديدها فوق رأسي. إذ يمسكني من يدي، ثم يشعل أمامي نارا ويقول: ”هذه النار هي وليد، حسنا؟“. فأومئ برأسي... ثم يتابع: ”ولنفترض أن الجو بارد، ماذا تفعل أنت؟“. أصمت، ودون أن ينظر إلي يستمر بالحديث: ”...كل ما تفعله أنت هو أنك تقترب منه فقط، إلا أنك بقربك هذا لا تحترق، بل تتدفى... فلا أنت الذي ارتدعت فرائصك من البرد ولا أنت الذي احترقت. هذه النار هي وحدها من تحترق... وهذه النار هي وليد“.
إنه مؤلم أن أكثر ما أستطيع تقديمه لك هو بضع كلمات. وهو مؤلم لأنه بحجم التفاني والإيذاء والظلم الذي تتعرض له يوميا ولا تستلم له بل تواجهه، لا يكون مني ومن غيري سوى محاولات متواضعة للتضامن لا ترقى أبدا لحجم نضالاتك وتضحياتك.
إنني في رسالتي التي أريد أن أعلن فيها عن تضامني معك: أعتذر لك، وأشعر بالعار أن كل ما أملكه لفعل ذلك هو هذا.
أخوك، 
سلطان العامر